هذه القصة تدور حول الأميرة الحسناء .."نابو"..ورجل البلاط والسفير.".أنليل"..في زمن سحيق من حضارة وادي الرافدين في زمن الملك العظيم نبو خذ نصر...اي قبل حوالي 2006عام قبل الميلاد!.
كان "أنليل" عائدا للتو من سفر طويل قادما من عيلام (إيران)..راكبا فرسه القوية المتعبة التي مشت به منذ الفجر وخلفه حراسه البابليين الأشداء الذين يحمون الهدايا التي أرسلها ملك" عيلام" للملك " نبو خذ نصر" ملك كل الجهات وأبن الإله" ديموزي".. كان أنكي رجل في الثلاثينيات من عمره وجهه حليق مثله مثل معظم البابليين في ذلك الزمان..كتفاه عريضتان وسواعده متناسقة مع جسده العضلي..يلبس ثوبا مزخرفا من الكتان الثمين...ويده مزينة بأساور من الفضة, صنعها له أحد حرفيي ملك عيلام..كان انليل يفكر على الدوام ببابل..وأهلها وأسواقها. أقترب موكبه كثيرا من البوابة الشمالية لأسوار بابل المحاطة بخندق كبير كي يحمي المملكة من أعدائها ", دخل عبر البوابة الشمالية الغربية المباركة لمدينة بابل ..بوابة الإلهة "عشتار" إلهة الخصب والحرب والحب.. إنها البوابة الزرقاء المصنوعة من الطابوق الملون المليء برسوم الأسود الحامية التي تحمي بابل من أعدائها كانت ترتفع سبع و أربعون ذراعا..و الثيران المجنحة تقف على أبوابها بهيبة..والحرس يقفون على أبراج الأسوار وعيونهم مثل عيون الصقور ترصد كل شيء وأي شيء يحاول أن يعكر حياة سكان بابل...كان الفصل صيفا ...والجو لم يكن حارا جدا كان" أنليل" صاحب الوجه الوسيم و الأسنان البيضاء يمسك بعنان فرسه بثقة مطلقة ويحاول أن لا يسبق الحرس والعربات والعبيد,وكان لابد أن يبقي هذه الهدايا تحت عينيه فهي هدايا الملك!! كان يريد الوصول إلى المعبد القريب كي يضع هذه الهدايا ريثما يصلي ويشكر الإلهة عشتار على حمايتها له من قطاع الطرق وأعداء بابل ...وضع عطاياه من جرار الخمر التي جلبها معه من سفره الطويل على مذبح الإلهة..وصلى قائلا:
الحمد للإلهة أكثر الإلهات رهبة
والإجلال لسيدة الشعوب,لأعظم آلهة بين" آجيجي"( مجمع الآلهة في الفكر البابلي)
الحمد لعشتار أكثر الإلهات رهبة
والإجلال لسيدة الشعوب,لأعظم آلهة بين" آجيجي"
حلوة الشفتين وفي فمها الحياة
قوامها جميل وعيناها مشرقتان......عشتار قد ألبست السرور والحب...
........................
بعد أن تلا صلاته بإخلاص ,قرر التوجه إلى المنزل كي يغتسل ويستبدل ثيابه بثياب يجب أن تكون لائقة بمقابلة الملك!.
يسمى المنزل هناك ببيت الأب حيث يكون الأب هو الآمر الناهي ولكن بما أن أبوه قد توفي فقد صار هو صاحب المنزل,كانت أمه و أخويه الصغيرين فقط ومعهم مجموعة من الخدم,لم يكن أنليل متزوجا فقد شغله السفر الطويل وأمور المملكة التي لا تنتهي. حيث انه كان سفيرا للملك في الكثير من الأماكن..أستبدل فرسه المتعبة بفرس أخرى وترك كل شيء تحت حراسة الجنود في المعبد....وصل إلى منزلة بعد أن كان يسير متأملا بشغف بابل وبناياتها وبرجها الشامخ والناس..كان يشتاق
أليها كثيرا. وصل إلى البيت وكانت والدته وأخوته بانتظاره لأنه كان قد بعث رسولا قبله كي يهيئوا له الحمام والطعام البابلي الشهي الذي يكون عادة مكونا من الرز ولحم الأغنام واللبن أو السمك وخبز الحنطة أو الذرة..قبل والدته وأحتضنها وأحتضن أخوته الصغار المتلهفين لحكاياته عن الممالك البعيدة والملوك ابناء الالهه..تركهم ودخل إلى الحمام الذي هيأه له الخدم بسرعة لان الوقت يمر ويجب مقابلة الملك!
.لبس ملابسه وتناول طعامه على عجل وركض بفرسه إلى المعبد حيث كان الرجال المرهقين بانتظاره هم والهدايا.. بعد أن وصل ,أمر الرجال بالتحرك..كان يلبس ثوبا أبيض ناصعا محددا عند الصدر بشريط أحمر عريض مما أضاف إلى وجهه الوسيم وجسمه الرجولي جمالا آخر...كان يتمشى قبل القافلة بقليل وكان القصر المجاور لبرج بابل مقر الملك وحاشيته في مرمى النظر.. وكان البرج عبارة عن أربعة أفدنه على شكل شرفات معلقة على أعمدة ارتفاعها خمسة وسبعون ذراعا كان يحيط بالبرج سور به ثماني بوابات وكان أفخم هذه البوابات هي بوابة عشتار الضخمة. في أثناء ذلك رأى موكبا يخرج من القصر الذي بجانب البرج و خلفه يسير الكثير من الخدم و الوصيفات.....كان موكبه الصغير وموكب هذا أو هذه الشخصية المهمة يقتربان من بعضهما البعض في الشارع المرصوف بالحجر في هذه الأثناء توترت فرس أنليل وصارت تصهل و تحمحم وتضرب الأرض بحوافرها وترفع قدميها الأماميتين في الهواء حتى أن أنليل كاد يسقط عنها,بعد أن دقق انليل جيدا في الأرض وجد هناك أفعى تعترض طريقه ..كان صوت الصهيل وضربات الحوافر على الحجر قد جذبت أنظار المارة حتى أن الهودج الذي يحمله العبيد قد فتحت ستائره ونظر من في داخلة إلى مكان الحدث!!..لم يكن الموكب يبعد عن أنليل وفرسه الخائفة أكثر من عشرة أذرع حين فتحت الستارة المزخرفة مرة أخرى و التي كما يبدو دفع حب الاستطلاع والفضول صاحبها لفتح جزأ قليل منها..وهنا كانت المفاجأة!!....لقد رأى امرأة رائعة الجمال وجهها بلون الحنطة.أنفها دقيق شعرها طويل بعض الشيء تضع على رأسها طوق من الذهب الخالص مزين بسعف النخيل المنقوش على الطوق و مطعم بأحجار كريمة شذرية اللون, تلبس ثوبا زهري..ولكن أجمل ما فيها هو عيناها اللواتي اخترقن قلبه مثل سهم مسرع!! كانت يداها مكشوفتان حتى الكتف حيث رأى سوارا يلتف بأناقة على عضدها ملفوف على شكل أفعى وكان مصنوعا من الفضة..(يبدو أنها أميرة من أميرات القصر الملكي (هذا ما تبادر إلى ذهن انليل) أما الأميرة الحسناء التي هي من كانت في داخل هذا الهودج فقد شعرت في تلك اللحظة بما شعر به أنليل وربما أكثر. فوجهه الوسيم القاسي وعضلات ساعده المفتولة ونظرته الحارقة , شغلتها,ولكن الأهم من ذلك هو السهم الذي أصاب قلبها!! أستمر الموكب بالمسير حتى تجاوز أنليل وموكبه المتواضع..نادت الأميرة على " دالود"إحدى الوصيفات القديمات في القصر والتي كانت تسير بجانبها.. نعم يا سيدتي؟ سألت الأميرة:هل تعرفين هذا الرجل الذي كان صاعدا على الفرس النافرة؟..أجابت الخادمة بعد فترة تفكير بسيطة..نعم أنه" أنليل" سفير الملك ولكني لم أره منذ زمن!! ...صرفتها وعادت الأميرة إلى متعة التفكير بهذا الرجل.. وضلت تكرر اسم أنليل عدة مرات .وكأنه كلمة مقدسة..أما أنليل فلم يستطع التفكير بغير هذه الأميرة المليئة بالأنوثة والعذوبة السماوية وكأنها نسخة من الإلهة عشتار!! ذات الجسد الممشوق والعيون المشرقة. وصل أنليل ورجالة إلى مدخل غرفة العرش حيث كان الحرس الملكي المدججين بالأسلحة الثقيلة والدروع السميكة يقفون على الباب..ولكن الملك كان ينتظر أنليل!! فسمحوا له بالدخول هو والهدايا الثمينة..كانت غرفة العرش مبنية من الآجر المزجج على طريقة بوابة عشتار والمليء بالرسوم التي تصف انتصارات الملك العظيم وفي وسط الجدار مشهد للإلهة عشتار وهي تحمل بيدها سيفا مقوسا مرفوعا إلي مستوى الوجه وكأنها تعطي الأمر بالهجوم وتحتها يرقد أسد- حيوانها المفضل- .......سجد الجميع في حضرة الملك وتقدم أنليل أليه وقال: يا أيها الملك العزيز يا أبن الإلهة وحاكمها في الأرض..يا من دك جنوده الشجعان كل الحصون..يسعدني أن أوصل إليك هذه الهدايا البسيطة التي أرسلها ملك عيلام..كعربون محبة ..حينها أشار الملك العظيم نبو خذ نصر بيده دلالة على موافقته على فتح الهدايا..كان الملك يجلس على كرسي فاخر موضوع على دكه عالية بحيث أن الجميع يجلسون أدنى منه..وكان يلبس ثوبا أزرق طويل ويضع على رأسه تاجا بابليا من الذهب المرصع وفي يده يستريح صولجان الحكم ومن حوله الخدم والحاشية ..سلم انليل الهدايا ومعها صندوق سري أكثر أهمية من كل هذه الهدايا ,وعاد مسرعا إلى المنزل وصورة تلك الأميرة لا تفارق خياله.أراد أن يعمل شيئا ما فقرر أن يسأل عنها !! أرسل خادمه المخلص كي يتحرى عن هذه الأميرة.. أنتظره لساعات طويلة وقد عاد بعد أن بدأ الإله" شمش" اله الشمس بإنزال قرصها إلى ملجأها الليلي (كما يعتقد البابليون) عاد بعد أن صار أنليل يشعر بنفاذ الصبر والنزق... وقال الخادم وهو يخاطب أنليل:
_مولاي وولي نعمتي سامحني بقلبك الكريم لأني جعلتك تنتظر.. ولكن كان من الصعب أن أعود إليك بغير أنباء أكيدة .
_ أنليل بتلهف: هل عرفت شيئا أيها الخادم الكسول؟..
_نعم يا مولاي.... أنها الأميرة "نابو" أبنه ملكنا الغالي.
_هل أنت متأكد!! ؟(شعر أنليل بالانزعاج لأنه لم يكن يظن أنها أبنه الملك نفسه الملك الصارم" نبو خذ نصر" !!)
_نعم يا مولاي وقد كانت في قصره الشمالي البعيد ولهذا لم تكن تراها ولا تعرف عنها شيئا!. بعد أن صرف أنليل الخادم عاد إلى الاضطجاع والتفكير في خطة للوصل إلى قلب هذه الأميرة مهما كان الثمن.في تلك الأثناء كانت الأميرة" نابو" تدور في غرفتها مثل أسد محبوس في قفص! طالبتاً المشورة من خادمتها الأمينة "دالود" والتي اقترحت عليها الآتي بعد أن سألتها: يا مولاتي هل من المعقول أن يكون أنليل قد أخترق قلبك الغض برماح حبه وأحببته بسرعة صقر ينقض على حمامة!؟
_أجابت نابو:أسكتي يا دالود فأن قلبي يشتعل وكأني لم أرى رجل من قبل, أنا الآن بلا قلب فقد أخذه أنليل!
_ ضحكت الخادمة دالود ,الخادمة العجوز ورئيسة خادمات الأميرة والتي عينها الملك نفسه, وقالت وهي تضحك ضحكة خبيثة:أنا أعرف ما الذي يطفأ نار قلبك التي تشتعل وكأنها حريق في غابة من القصب اليابس.
_حسنا يا دالو انجديني بحق الملك!
_ مولاتي..سأرسل إلى أنليل من يجلبه إليك في مكان أمين وأنا متأكدة أنه لن يخاف وسيأتي فقد رأيت النار تشتعل في قلبه أيضا وأنا أعرف الرجل الشجعان حين يحبون لن تمنعهم الأسوار ولا الحرس.
مرت ثلاثة أيام وأنليل لا يعرف ماذا يفعل فقد عظه الحب مثل ذئب..وحبه للأميرة نابو تجاوز كل الحدود..ولكنها أبنه الملك وأي خطأ فانه سوف يطيح برأسك بعيدا !!
كان أنليل في يومه الرابع من الاستراحة التي أمر له بها الملك لان سفره كان طويلا وكذلك لان الهدايا قد أعجبته. في ظهيرة ذلك اليوم جاء إليه أحد الخدم وأخبره أن هناك خادمة تريد أن تكلمه ولكنها رفضت أن تخبره من تكون!! وهي تلبس جلبابا يغطي رأسها! أمره أنليل بإدخالها..
_من أنتِ (سألها أنليل)؟
_أنا خادمتك دالود وخادمة الأميرة نابو بنت الملك العظيم.
في تلك اللحظة شعر أنليل وكأن كل الإلهة راضيه عنه وفوجئ كذلك وكأن سطل من الماء البارد قد سكب على رأسه, ولكنه تصنع عدم معرفته بشيء وطلب من دالود التوضيح.
_أخبرته دالود أن الأميرة تريد أن تراه يوم غد حين تصل الشمس إلى كبد السماء في غرفة الصلاة في المعبد القديم وأنها أي(دالود) لا تعرف أي شيء أخر.
تركته بدون أستاذان وخرجت, لم يعرف أنليل ماذا يفعل وهل يفرح أم لا ؟ ولكنه سأل نفسه: إذا لم تكن الأميرة تبادلني المحبة فلماذا أرسلت ألي؟ ولكن هل يمكن أن تكون نظراتي الحارقة قد أزعجتها؟ كلا كلا لو كنت أزعجتها لجاء ألي رجال الملك!!
مرت هذه الساعات وكأنها دهور..لبس أحلى ما عنده ووضع عطرا فواحا وركب فرسه ومشى ببطء برغم أن في داخلة مشاعر تحثه على الركض!! وصل إلى المعبد حيث وجد" دالود" تقف عند باب المعبد وهي تلبس نفس ملابسها المتنكرة وأشارت لانليل بأن يتبعها..مشا أنليل ورائها حتى وصل إلى غرفة المعبد الرئيسية حيث ينتصب تمثال كبير للإلهة عشتار ومن أمامه المذبح الذي تقدم علية الهدايا والعطايا..وجد أمامه شخصا يلبس قفطانا طويلا وفيه غطاء يغطي الرأس وكانت الخادمة العجوز تمشي قبله وحين وصلت همست في إذن هذا الشخص المتنكر والذي كما يبدو من تقطيع جسمه إنها أنثى..التفت أليه هذا الشخص ورأى أنليل وجهه, لقد كانت الأميرة مثلما توقع ومثلما أخبرته الخادمة!!
_عمتي مساءا سيدتي ومولاتي!
_ عمت مساءا أنليل.
_ تفاجأ قليلا ولكنه رد بلباقة : يشرفني أن تنطق مولاتي بأسمى المتواضع...
_حسنا أنليل..أخبرني عن نفسك..(كانت تتحدث بثقة مصطنعة ولكنها لن تخدع أنليل الرجل المحنك!)
_ أنا أنليل يا مولاتي خادم الملك المظفر وخادمك, عدت منذ أيام من "عيلام " وتصادفنا حين نفر حصاني من أفعى ظهرت فجأة عند الطريق فأزعجت مولاتي..وأنا أعتذر!!
_ كلا يا أنليل لا تعتذر
_ بماذا يمكن أن أخدم مولاتي؟(كان من الصعب أن تذكر له السبب الذي دفعها لدعوته إلي المعبد)
_ترددت الأميرة من هذا السؤال المفاجئ ولكنها ردت عليه بسؤال آخر: لماذا كنت تتطلع ألي يا أنليل بهذه النظرة في ذلك اليوم؟
_عرف أنليل أن الأميرة تفكر فيه مثلما فكرهو فيها وألا لما تجرأت وأحظر ته إلى هنا!! أجابها أنليل بثقة رجل مجرب: يا سيدتي كنت أتطلع إلى وجهك الكريم سائلا الربة عشتار التي نقف اليوم بين يديها السخيتين عن سر جمالك وفتنتك!
_(ابتسمت الأميرة وقد أراحها جواب أنليل) وردت عليه:فليبارك الاله شمش الذي أعطاك من جمال وجهه المنير ..
_أشكرك مولالتي ..ولكن هل تأذن لي الأميرة بأن أهديها هذا العقد الثمين الذي لم أجد من تستحق أن تشرفه بأرتدائه ؟ مد أنليل يده إلى كيس من الجلد كان يتدلى من حزامه وفتحه بسرعة مخرجا قلادة من الفضة المزينة بالنقوش والمطعم بالحجارة الكريمة, قدمه للأميرة مع انحناءة خفيفة فقد كان رجلا مدربا على التعامل مع الملوك ولكنه لم يكن منافقا لان ما كان في قلبه من مشاعر أتجاه الاميرة نابعا من قلبة..... فتحت الأميرة عيناها على اتساعهما إعجابا بهدية السفير أنليل(المرأة تبقى تذوب أمام المصوغات حتى لو كانت أميرة تمتلك الكثير منها).
في ذلك الوقت قرر أنليل بأن يصارح الأميرة بتلميح خفيف عن حبه لأنه لا يضمن أن يراها مجددا لأنها أميرة وتحركاتها محسوبة وعيون الملك تراقب بلا كلل كل ما يدور هنا!!..سيدتي الأميرة نابو هل يمكن أن أتحدث بصراحة (التمعن عينا" نابو" وابتسمت ابتسامة خفيفة لأنها عرفت أن أنليل رجل جريء وسيصارحها بما يدور في خلده!)
_تكلم يا أنليل أنا أسمعك!
_أميرتي أرجو أن تسامحيني على جرأتي(كان يعرف أن الأميرة هي امرأة أولا و أخيرا ولا بد أن لها قلب ربما يبادله المشاعر!!) وقال: أميرتي ,حين خلق أبو الآلهة " أنكي" قلوبنا النابضة زرع فيها العشق وحين ملأتنا آلهتنا عشتار من فيض محبتها لم تمنعنا من حبها وهي الهة!! ولهذا فهاأنا أتجرأ وأعترف في حضرتك يا مولاتي أن قلبي منذ رآك في ذلك اليوم المبارك لم يهنأ بنوم وعيوني اللائى تكحلت بنور وجهك ..لم يبارحها الكرى ..و يدي لم تبخل أبدا بقرابين الإلهة والنذور من أجل أن تجمعني بك!! فماذا ستقولين يا مولاتي لرجل يحمل لك كل هذه المحبة؟
كانت الأميرة نابو بما يظهر من وجهها متأثرة جدا بكلام أنليل المليء بالصدق كما شعرت به , حتى أنها ذابت مع صوت أنليل وتكسرت مع تكسرات صوته الخفيض.....
_حسنا يا أنليل..سأقول لك ما قالته آلهتنا عشتار للبطل كلكامش (كان أنليل صامتا يراقب شفتيها وهي تنطق الكلمات بصدق من كل روحها وبلباقة تليق ببنت ملك):-
تعال يا كلكامش ...وكن حبيبا لي,
تعال امنحني من" ثمرتك",
(تعال) وكن زوجا لي وأكون زوجتك,
واني سأعد لك عربة من الازورد والذهب
عجلاتها من الذهب وقرناها من البرونز.
وستكون لك شياطين العاصفة لتشد عليها بدلا من البغال الضخمة.
وستدخل بيتنا على نفحات الأرز.
وعندما تدخل البيت,
ستقبل العتبة والدكة قدميك,
وسيمثل الملوك والحكام والأمراء بين يديك
ليقدموا لك الجزية:محاصيل الجبال والسهول.......
....
هنا سكتت الأميرة وقد أحمر وجهها لأنها شعرت بأن هذه الكلمات التي قالتها لانليل قد قالت الكثير مما تفكر به و ربما بجرأة لا تليق ببنت ملك!!
بعدها أطرقت الأميرة خجلا وعرف أنليل بحنكته وتجربته بأن عليه أن يتدخل و ويوازن الموقف..... فقال: مولاتي: أنت تقارنيني بكلكامش الذي وهبه شمش جمالا فتانا و أسبغت عليه" ادد" اله الرعد قوة هائلة !!! مولاتي ..كي أشكرك وكي أعبر عما يدور في قلبي...فأن فمي لا يكفي!! أشعر أني الرجل الأوفر حظا في بلاد بابل!!
تدخلت الخادمة العجوز في هذه اللحظة وهمست في إذن الأميرة أن الوقت قد حان لمغادرة المعبد!! ..فنظرت أليه الأميرة نظرة ولهة وقالت سأراك بعد ثلاثة أيام في نفس الزمان والمكان يا انليل!! رد عليها بعجالة وهي تبتعد ..سأكون هنا يا مولاتي!!!...مر الزمن وأنليل ما زال متسمرا في مكانه غير مصدقا ما مر به قبل ثواني!! أنها بنت الملك العظيم.... تحبه!! ولكن هذا لا يهمه لانه أحبها هي ولم يحب ما تملك!! ولكن إذا طلب يدها من الملك فهل سيوافق؟..ركب أنليل حصانه وهو في دنيا أخرى..لا يعلم ما يخبأه له القدر!!...لم يتذوق أنليل من الطعام الا القليل كان كل ما يشغل تفكيره هو ما قالته له الأميرة فقد شبهته بكلكامش وحين تشبه امرأة ما في بابل الرجل بكلكامش فهذا يعني أنه الرجل الكامل وهي تحبه!!...في اليوم التالي وبعد ليلة طويلة من السهر ذهب إلى القصر كي يعرف ما سيقوله الملك بعد أن قرأ ما كتبه له أنليل في تلك الرقم الطينية عن ما يظنه بنوايا ملك عيلام ..وهل أن له مبيته لمحاولة إيذاء المملكة؟ !! والكثير من الأشياء السرية الأخرى التي تركها أنليل لتقديرات الملك.... ذهب أنليل إلى قصر الملك صباحا ميمما وجهه باتجاه الجنائن المعلقة التي ما زال يتحدث عنها الناس في كل يوم منذ سنوات وهم يسألون أنفسهم نفس السؤال: كيف يصعد الماء إلى قممها العالية؟ وصل إلى الملك الذي كان ينتظره..لان أهم ما يمكن أن يفكر به الملك هو حماية حدود مملكته!! كان الملك واقفا واضعا يديه خلف ظهره لان ما أسر له به أنليل في رقمه الطينية خطير..لأنه بهذا يشير أن إلى أن عيلام تستعد لشن هجوم كاسح على بابل!! بابل العظيمة!!... سأله الملك : أنليل هل أنت متأكد مما تقول؟ نعم يا مولاي فقد زرعت العيون وسهرت وأنا أتقصى الأخبار وأكثر ما أكد حدسي هو كمية الهدايا التي أرسلها لك ملكهم ,ربما لان ملك عيلام كان يفكر بأنه سيستعيدها بكل الأحوال!! حسنا يا أنليل وماذا تقترح؟ تفاجأ أنليل من سؤال الملك!! لان هذا شرف كبير حين يسال الملك شخصا ما مشورته!! ولكن ربما هذا هو سبب عظمة نبو خذ نصر لأنه كان يستشير الآخرين !! حسننا يا مولاي( أجاب أنليل): خلال بقائي هناك وإطلاعي عن كثب حول ما يدور وكيف يفكر أولئك القوم فأني أقترح و بعد إذن جلالتكم أن نفاجئهم قبل أن يتموا استعداداتهم فهم ألان يستقدمون الجنود من كل مكان..ولكني لست قائدا عسكريا كما تعلم جلالتكم! أحسنت أنليل ..سنذهب إلى كبير الكهنة كي نأخذ رأي إلهاتنا المحبوبة عشتار في فكرة مهاجمة أولئك الرعاع ...أنا تحت أمرك مولاي .(أجاب أنليل وهو يحني رأسه).
..خلال ساعة كان موكب الملك ومن حوله الحاشية والجنود يشقون طريقهم إلى كبير الكهنة والناس على الجوانب تحيي ملكها القوي المحبوب الصارم وهو يتوجه إلى المعبد الكبير ... أصطف الكهنة على باب المعبد وعلى رأسهم يقف كبير الكهنة" اوتوحيكال" ..بضفائره ولحيته الطويلة وملابسة المزينة بالنقوش.... دخل الملك ومعه أنليل الذي كان سعيدا بالشرف الذي منحه له الملك والذي سيفيده كثيرا لو انه طلب يد الأميرة منه!! أخبر الملك رئيس الكهنة بما يريد وقد م نذوره وعطاياه للآلهة عشتار.. وأخبره الكاهن أنه اليوم سيرى الإلهة عشتار في المنام كي تعطي أو أمرها إلى الملك فيما ينوي!!بعدها عاد الملك إلى القصر سريعا وعاد أنليل بعد يوم طويل والأميرة وصوتها السماوي وعيونها لواسعة ولا يفارق خيالة!! في أثناء كل ذلك كادت الأميرة " نابو" تطير من السعادة حين عرفت أن والدها قد قرب أليه أنليل في الفترة القلية الماضية حتى أنه أخذه معه إلى المعبد!!
منذ الغبش ..أيقض الخادم سيده أنليل قائلا: مولاي أن أحد رجال الملك يقول أن الملك يريدك ألان في قصره ..سأل أنليل الخادم بفزع : وأين الجندي ألان؟ لقد ذهب مولاي ..حسنا هيا لي الحمام !! أنه حاضر يا مولاي
دخل أنليل إلى الملك وكان عنده جميع القادة العسكريين والكاهن الأكبر الذي أخبر الملك أن الالهة عشتار قد جائته في الرؤيا وباركت حملة الملك وتعهد ت بحمايته!!
أنليل ناداه الملك... نعم مولاي!!..ستشارك يا أنليل معنا في مسيرتنا المظفرة.
تفاجأ أنليل !!! ولكن يا مولاي أنا رجل سياسة!! نعم يا أنليل ولهذا ستكون معنا فقد يحتاج القادة العسكريين مشورتك فقد قضيت هناك وقتا ليس بقصير وتعرف الكثير عن عيلام, وربما تفيد أخوتك!!
تحت أمرك يا مولاي انحنى أنليل وهو يجيب على أمر الملك.أردف الملك قائلا :سننطلق بعد أيام يا أنليل...
عاد أنليل إلى منزله وهو يهيأ نفسه للقاء حبيبة القلب التي يشعر وكأنه يعرفها منذ زمن طويل!!...ذهب أنليل في موعده تماما ووجد الأميرة هذه المرة في نفس المكان ولكنها قادته هذه المرة إلى ممر بعيد عن عيون المصلين والكهنة الذين يعدون العدة لاحتفالات رأس السنة البابلية العظيمة التي سيتم الاحتفال بها بعد شهر بالتحديد....أنليل أيها الرجل الذي لا أهوى غيره يا بركة شمش لن أستطيع أن أتحدث اليك طويل,ا خذ هذه التعويذة التي ستحميك وتعيدك سالما فأنا أعرف أنك سترافق والدي في معركته القادمة ..فليحمك أنكي من سهام الأعداء أنا أفكر بك كل يوم يا انليل...قاطعها أنليل ..مولاتي أنا أفكر فيك ليل نهار لا أنام آلا بصعوبة طيفك يزورني كل يوم لن أستطيع أن أعيش دونك ..أنا أنليللا الرجل الذي عاش سنين مديدة أشعر أني طفل حين أراك!! لكِ وعدي أني سأطلب يدك من والدك العظيم مها كانت النتائج صلي من أجلنا يا حبيبتي نابو!! سأ صلي من أجلك ومن أجل بابل ومن أجلي يا أنليل..وأهدته خاتما ثمينا صنعته من أجله منقوش عليه صورة رمزية لكلكامش!! ...تركها أنليل بعد أن قبل يدها وجبينها و أنسحب بهدوء والحب يملئه ويفيض من قلبه و وجدانه..مرت الأيام سريعا وكان أنليل يلتقي نابو كل ثلاثة أيام حتى صار يحسب الساعات لرؤيتها....
كانت الجيوش تتجمع بسرعة من كل أجزاء بابل وتزحف وعلى رأسها نبو خذ نصر بعرباته الملكية ومن خلف الجيش البابلي القوي... كان أنليل قريبا دوما من الملك يشير عليه بالأفكار السديدة .. بعد سبعة أيام من المشي وصلوا حدود عيلام وفي الليلة السابعة صعد أنليل والملك ليلا على تله تطل على جيش بابل المتجحفل وكانت النيران التي يشعلها الجنود تمتد وكأنها إلى المالا نهاية!!..عشرات ألوف الجنود يستعدون لسحق عيلام وكأنها حشرة..أما في الطرف الثاني فقد عرف ملك عيلام أنها النهاية بالنسبة أليه لان الدول التي تحالف معها من أجل إسقاط بابل لن تستطيع إنقاذه فقد فات الأوان ولأنه يعرف ماذا سيحصل إن قاوم هولاء الجنود !!.
صباحا ..جاء رسول من ملك عيلام يعلن فيه استسلامه!! دخلت الجيوش البابلية إلى عيلام وعاد أنليل مع الملك والحرس الملك حيث هيأ أهل بابل وكهنتها استقبال حاشدا ووزعوا الخمر وذبحوا الأضاحي احتفالا بالنصر.. وقبل أن يدخل ..الملك من بوابة عشتار نادى على أنليل طالبا منه أن يصعد معه في العربة الملكية كي يدخلا سوية!! هذا شرف كبير لا يناله إلا من كان مهما جدا ومحبوبا لدى الملك!! صعد أنليل مع الملك في عربته الملكية الحربية ودخلوا عبر بوابة عشتار بوابة النصر حيث آلاف من سكان بابل يحتشدون لتحية الملك والجيش.. ستكون الاحتفالات هذا اليوم حتى الصباح!!و في قمة الفرح وحين كان الملك يلوح للشعب..فكر أنليل أنه لا أحسن من هذا الوقت لمفاتحة الملك بموضوعه!! فقال: مولاي الملك أريد أن أبوح اليك بما يجيش في صدري!! ..رد الملك وهو ما زال يلوح من عربته وأصوات الجماهير تكاد تصم الأذن: لا تكمل يا أنليل. فأنا أعرف بماذا نفكر منذ اليوم الأول أي منذ أن التقيت بالأميرة في المعبد!!..وغدا سأجعل منك وزيري ومستشاري جزاء الأخلاص الذي تحمله للملك ولبابل ..وفي يوم" آكيتو"(يوم رأس السنة البابلية) سأعلن زواجكما.. عقد الفرح لسان أنليل .. وحتى أنه لم يشكر الملك!! وصل مع الملك إلى الجنائن المعلقة كي يحتفلوا مرتين مرة بالنصر ومرة ثانية بزواج أنليل القريب من أبنته الحبيبة نابو التي كانت تنظره بين ورود برج بابل!
كان "أنليل" عائدا للتو من سفر طويل قادما من عيلام (إيران)..راكبا فرسه القوية المتعبة التي مشت به منذ الفجر وخلفه حراسه البابليين الأشداء الذين يحمون الهدايا التي أرسلها ملك" عيلام" للملك " نبو خذ نصر" ملك كل الجهات وأبن الإله" ديموزي".. كان أنكي رجل في الثلاثينيات من عمره وجهه حليق مثله مثل معظم البابليين في ذلك الزمان..كتفاه عريضتان وسواعده متناسقة مع جسده العضلي..يلبس ثوبا مزخرفا من الكتان الثمين...ويده مزينة بأساور من الفضة, صنعها له أحد حرفيي ملك عيلام..كان انليل يفكر على الدوام ببابل..وأهلها وأسواقها. أقترب موكبه كثيرا من البوابة الشمالية لأسوار بابل المحاطة بخندق كبير كي يحمي المملكة من أعدائها ", دخل عبر البوابة الشمالية الغربية المباركة لمدينة بابل ..بوابة الإلهة "عشتار" إلهة الخصب والحرب والحب.. إنها البوابة الزرقاء المصنوعة من الطابوق الملون المليء برسوم الأسود الحامية التي تحمي بابل من أعدائها كانت ترتفع سبع و أربعون ذراعا..و الثيران المجنحة تقف على أبوابها بهيبة..والحرس يقفون على أبراج الأسوار وعيونهم مثل عيون الصقور ترصد كل شيء وأي شيء يحاول أن يعكر حياة سكان بابل...كان الفصل صيفا ...والجو لم يكن حارا جدا كان" أنليل" صاحب الوجه الوسيم و الأسنان البيضاء يمسك بعنان فرسه بثقة مطلقة ويحاول أن لا يسبق الحرس والعربات والعبيد,وكان لابد أن يبقي هذه الهدايا تحت عينيه فهي هدايا الملك!! كان يريد الوصول إلى المعبد القريب كي يضع هذه الهدايا ريثما يصلي ويشكر الإلهة عشتار على حمايتها له من قطاع الطرق وأعداء بابل ...وضع عطاياه من جرار الخمر التي جلبها معه من سفره الطويل على مذبح الإلهة..وصلى قائلا:
الحمد للإلهة أكثر الإلهات رهبة
والإجلال لسيدة الشعوب,لأعظم آلهة بين" آجيجي"( مجمع الآلهة في الفكر البابلي)
الحمد لعشتار أكثر الإلهات رهبة
والإجلال لسيدة الشعوب,لأعظم آلهة بين" آجيجي"
حلوة الشفتين وفي فمها الحياة
قوامها جميل وعيناها مشرقتان......عشتار قد ألبست السرور والحب...
........................
بعد أن تلا صلاته بإخلاص ,قرر التوجه إلى المنزل كي يغتسل ويستبدل ثيابه بثياب يجب أن تكون لائقة بمقابلة الملك!.
يسمى المنزل هناك ببيت الأب حيث يكون الأب هو الآمر الناهي ولكن بما أن أبوه قد توفي فقد صار هو صاحب المنزل,كانت أمه و أخويه الصغيرين فقط ومعهم مجموعة من الخدم,لم يكن أنليل متزوجا فقد شغله السفر الطويل وأمور المملكة التي لا تنتهي. حيث انه كان سفيرا للملك في الكثير من الأماكن..أستبدل فرسه المتعبة بفرس أخرى وترك كل شيء تحت حراسة الجنود في المعبد....وصل إلى منزلة بعد أن كان يسير متأملا بشغف بابل وبناياتها وبرجها الشامخ والناس..كان يشتاق
أليها كثيرا. وصل إلى البيت وكانت والدته وأخوته بانتظاره لأنه كان قد بعث رسولا قبله كي يهيئوا له الحمام والطعام البابلي الشهي الذي يكون عادة مكونا من الرز ولحم الأغنام واللبن أو السمك وخبز الحنطة أو الذرة..قبل والدته وأحتضنها وأحتضن أخوته الصغار المتلهفين لحكاياته عن الممالك البعيدة والملوك ابناء الالهه..تركهم ودخل إلى الحمام الذي هيأه له الخدم بسرعة لان الوقت يمر ويجب مقابلة الملك!
.لبس ملابسه وتناول طعامه على عجل وركض بفرسه إلى المعبد حيث كان الرجال المرهقين بانتظاره هم والهدايا.. بعد أن وصل ,أمر الرجال بالتحرك..كان يلبس ثوبا أبيض ناصعا محددا عند الصدر بشريط أحمر عريض مما أضاف إلى وجهه الوسيم وجسمه الرجولي جمالا آخر...كان يتمشى قبل القافلة بقليل وكان القصر المجاور لبرج بابل مقر الملك وحاشيته في مرمى النظر.. وكان البرج عبارة عن أربعة أفدنه على شكل شرفات معلقة على أعمدة ارتفاعها خمسة وسبعون ذراعا كان يحيط بالبرج سور به ثماني بوابات وكان أفخم هذه البوابات هي بوابة عشتار الضخمة. في أثناء ذلك رأى موكبا يخرج من القصر الذي بجانب البرج و خلفه يسير الكثير من الخدم و الوصيفات.....كان موكبه الصغير وموكب هذا أو هذه الشخصية المهمة يقتربان من بعضهما البعض في الشارع المرصوف بالحجر في هذه الأثناء توترت فرس أنليل وصارت تصهل و تحمحم وتضرب الأرض بحوافرها وترفع قدميها الأماميتين في الهواء حتى أن أنليل كاد يسقط عنها,بعد أن دقق انليل جيدا في الأرض وجد هناك أفعى تعترض طريقه ..كان صوت الصهيل وضربات الحوافر على الحجر قد جذبت أنظار المارة حتى أن الهودج الذي يحمله العبيد قد فتحت ستائره ونظر من في داخلة إلى مكان الحدث!!..لم يكن الموكب يبعد عن أنليل وفرسه الخائفة أكثر من عشرة أذرع حين فتحت الستارة المزخرفة مرة أخرى و التي كما يبدو دفع حب الاستطلاع والفضول صاحبها لفتح جزأ قليل منها..وهنا كانت المفاجأة!!....لقد رأى امرأة رائعة الجمال وجهها بلون الحنطة.أنفها دقيق شعرها طويل بعض الشيء تضع على رأسها طوق من الذهب الخالص مزين بسعف النخيل المنقوش على الطوق و مطعم بأحجار كريمة شذرية اللون, تلبس ثوبا زهري..ولكن أجمل ما فيها هو عيناها اللواتي اخترقن قلبه مثل سهم مسرع!! كانت يداها مكشوفتان حتى الكتف حيث رأى سوارا يلتف بأناقة على عضدها ملفوف على شكل أفعى وكان مصنوعا من الفضة..(يبدو أنها أميرة من أميرات القصر الملكي (هذا ما تبادر إلى ذهن انليل) أما الأميرة الحسناء التي هي من كانت في داخل هذا الهودج فقد شعرت في تلك اللحظة بما شعر به أنليل وربما أكثر. فوجهه الوسيم القاسي وعضلات ساعده المفتولة ونظرته الحارقة , شغلتها,ولكن الأهم من ذلك هو السهم الذي أصاب قلبها!! أستمر الموكب بالمسير حتى تجاوز أنليل وموكبه المتواضع..نادت الأميرة على " دالود"إحدى الوصيفات القديمات في القصر والتي كانت تسير بجانبها.. نعم يا سيدتي؟ سألت الأميرة:هل تعرفين هذا الرجل الذي كان صاعدا على الفرس النافرة؟..أجابت الخادمة بعد فترة تفكير بسيطة..نعم أنه" أنليل" سفير الملك ولكني لم أره منذ زمن!! ...صرفتها وعادت الأميرة إلى متعة التفكير بهذا الرجل.. وضلت تكرر اسم أنليل عدة مرات .وكأنه كلمة مقدسة..أما أنليل فلم يستطع التفكير بغير هذه الأميرة المليئة بالأنوثة والعذوبة السماوية وكأنها نسخة من الإلهة عشتار!! ذات الجسد الممشوق والعيون المشرقة. وصل أنليل ورجالة إلى مدخل غرفة العرش حيث كان الحرس الملكي المدججين بالأسلحة الثقيلة والدروع السميكة يقفون على الباب..ولكن الملك كان ينتظر أنليل!! فسمحوا له بالدخول هو والهدايا الثمينة..كانت غرفة العرش مبنية من الآجر المزجج على طريقة بوابة عشتار والمليء بالرسوم التي تصف انتصارات الملك العظيم وفي وسط الجدار مشهد للإلهة عشتار وهي تحمل بيدها سيفا مقوسا مرفوعا إلي مستوى الوجه وكأنها تعطي الأمر بالهجوم وتحتها يرقد أسد- حيوانها المفضل- .......سجد الجميع في حضرة الملك وتقدم أنليل أليه وقال: يا أيها الملك العزيز يا أبن الإلهة وحاكمها في الأرض..يا من دك جنوده الشجعان كل الحصون..يسعدني أن أوصل إليك هذه الهدايا البسيطة التي أرسلها ملك عيلام..كعربون محبة ..حينها أشار الملك العظيم نبو خذ نصر بيده دلالة على موافقته على فتح الهدايا..كان الملك يجلس على كرسي فاخر موضوع على دكه عالية بحيث أن الجميع يجلسون أدنى منه..وكان يلبس ثوبا أزرق طويل ويضع على رأسه تاجا بابليا من الذهب المرصع وفي يده يستريح صولجان الحكم ومن حوله الخدم والحاشية ..سلم انليل الهدايا ومعها صندوق سري أكثر أهمية من كل هذه الهدايا ,وعاد مسرعا إلى المنزل وصورة تلك الأميرة لا تفارق خياله.أراد أن يعمل شيئا ما فقرر أن يسأل عنها !! أرسل خادمه المخلص كي يتحرى عن هذه الأميرة.. أنتظره لساعات طويلة وقد عاد بعد أن بدأ الإله" شمش" اله الشمس بإنزال قرصها إلى ملجأها الليلي (كما يعتقد البابليون) عاد بعد أن صار أنليل يشعر بنفاذ الصبر والنزق... وقال الخادم وهو يخاطب أنليل:
_مولاي وولي نعمتي سامحني بقلبك الكريم لأني جعلتك تنتظر.. ولكن كان من الصعب أن أعود إليك بغير أنباء أكيدة .
_ أنليل بتلهف: هل عرفت شيئا أيها الخادم الكسول؟..
_نعم يا مولاي.... أنها الأميرة "نابو" أبنه ملكنا الغالي.
_هل أنت متأكد!! ؟(شعر أنليل بالانزعاج لأنه لم يكن يظن أنها أبنه الملك نفسه الملك الصارم" نبو خذ نصر" !!)
_نعم يا مولاي وقد كانت في قصره الشمالي البعيد ولهذا لم تكن تراها ولا تعرف عنها شيئا!. بعد أن صرف أنليل الخادم عاد إلى الاضطجاع والتفكير في خطة للوصل إلى قلب هذه الأميرة مهما كان الثمن.في تلك الأثناء كانت الأميرة" نابو" تدور في غرفتها مثل أسد محبوس في قفص! طالبتاً المشورة من خادمتها الأمينة "دالود" والتي اقترحت عليها الآتي بعد أن سألتها: يا مولاتي هل من المعقول أن يكون أنليل قد أخترق قلبك الغض برماح حبه وأحببته بسرعة صقر ينقض على حمامة!؟
_أجابت نابو:أسكتي يا دالود فأن قلبي يشتعل وكأني لم أرى رجل من قبل, أنا الآن بلا قلب فقد أخذه أنليل!
_ ضحكت الخادمة دالود ,الخادمة العجوز ورئيسة خادمات الأميرة والتي عينها الملك نفسه, وقالت وهي تضحك ضحكة خبيثة:أنا أعرف ما الذي يطفأ نار قلبك التي تشتعل وكأنها حريق في غابة من القصب اليابس.
_حسنا يا دالو انجديني بحق الملك!
_ مولاتي..سأرسل إلى أنليل من يجلبه إليك في مكان أمين وأنا متأكدة أنه لن يخاف وسيأتي فقد رأيت النار تشتعل في قلبه أيضا وأنا أعرف الرجل الشجعان حين يحبون لن تمنعهم الأسوار ولا الحرس.
مرت ثلاثة أيام وأنليل لا يعرف ماذا يفعل فقد عظه الحب مثل ذئب..وحبه للأميرة نابو تجاوز كل الحدود..ولكنها أبنه الملك وأي خطأ فانه سوف يطيح برأسك بعيدا !!
كان أنليل في يومه الرابع من الاستراحة التي أمر له بها الملك لان سفره كان طويلا وكذلك لان الهدايا قد أعجبته. في ظهيرة ذلك اليوم جاء إليه أحد الخدم وأخبره أن هناك خادمة تريد أن تكلمه ولكنها رفضت أن تخبره من تكون!! وهي تلبس جلبابا يغطي رأسها! أمره أنليل بإدخالها..
_من أنتِ (سألها أنليل)؟
_أنا خادمتك دالود وخادمة الأميرة نابو بنت الملك العظيم.
في تلك اللحظة شعر أنليل وكأن كل الإلهة راضيه عنه وفوجئ كذلك وكأن سطل من الماء البارد قد سكب على رأسه, ولكنه تصنع عدم معرفته بشيء وطلب من دالود التوضيح.
_أخبرته دالود أن الأميرة تريد أن تراه يوم غد حين تصل الشمس إلى كبد السماء في غرفة الصلاة في المعبد القديم وأنها أي(دالود) لا تعرف أي شيء أخر.
تركته بدون أستاذان وخرجت, لم يعرف أنليل ماذا يفعل وهل يفرح أم لا ؟ ولكنه سأل نفسه: إذا لم تكن الأميرة تبادلني المحبة فلماذا أرسلت ألي؟ ولكن هل يمكن أن تكون نظراتي الحارقة قد أزعجتها؟ كلا كلا لو كنت أزعجتها لجاء ألي رجال الملك!!
مرت هذه الساعات وكأنها دهور..لبس أحلى ما عنده ووضع عطرا فواحا وركب فرسه ومشى ببطء برغم أن في داخلة مشاعر تحثه على الركض!! وصل إلى المعبد حيث وجد" دالود" تقف عند باب المعبد وهي تلبس نفس ملابسها المتنكرة وأشارت لانليل بأن يتبعها..مشا أنليل ورائها حتى وصل إلى غرفة المعبد الرئيسية حيث ينتصب تمثال كبير للإلهة عشتار ومن أمامه المذبح الذي تقدم علية الهدايا والعطايا..وجد أمامه شخصا يلبس قفطانا طويلا وفيه غطاء يغطي الرأس وكانت الخادمة العجوز تمشي قبله وحين وصلت همست في إذن هذا الشخص المتنكر والذي كما يبدو من تقطيع جسمه إنها أنثى..التفت أليه هذا الشخص ورأى أنليل وجهه, لقد كانت الأميرة مثلما توقع ومثلما أخبرته الخادمة!!
_عمتي مساءا سيدتي ومولاتي!
_ عمت مساءا أنليل.
_ تفاجأ قليلا ولكنه رد بلباقة : يشرفني أن تنطق مولاتي بأسمى المتواضع...
_حسنا أنليل..أخبرني عن نفسك..(كانت تتحدث بثقة مصطنعة ولكنها لن تخدع أنليل الرجل المحنك!)
_ أنا أنليل يا مولاتي خادم الملك المظفر وخادمك, عدت منذ أيام من "عيلام " وتصادفنا حين نفر حصاني من أفعى ظهرت فجأة عند الطريق فأزعجت مولاتي..وأنا أعتذر!!
_ كلا يا أنليل لا تعتذر
_ بماذا يمكن أن أخدم مولاتي؟(كان من الصعب أن تذكر له السبب الذي دفعها لدعوته إلي المعبد)
_ترددت الأميرة من هذا السؤال المفاجئ ولكنها ردت عليه بسؤال آخر: لماذا كنت تتطلع ألي يا أنليل بهذه النظرة في ذلك اليوم؟
_عرف أنليل أن الأميرة تفكر فيه مثلما فكرهو فيها وألا لما تجرأت وأحظر ته إلى هنا!! أجابها أنليل بثقة رجل مجرب: يا سيدتي كنت أتطلع إلى وجهك الكريم سائلا الربة عشتار التي نقف اليوم بين يديها السخيتين عن سر جمالك وفتنتك!
_(ابتسمت الأميرة وقد أراحها جواب أنليل) وردت عليه:فليبارك الاله شمش الذي أعطاك من جمال وجهه المنير ..
_أشكرك مولالتي ..ولكن هل تأذن لي الأميرة بأن أهديها هذا العقد الثمين الذي لم أجد من تستحق أن تشرفه بأرتدائه ؟ مد أنليل يده إلى كيس من الجلد كان يتدلى من حزامه وفتحه بسرعة مخرجا قلادة من الفضة المزينة بالنقوش والمطعم بالحجارة الكريمة, قدمه للأميرة مع انحناءة خفيفة فقد كان رجلا مدربا على التعامل مع الملوك ولكنه لم يكن منافقا لان ما كان في قلبه من مشاعر أتجاه الاميرة نابعا من قلبة..... فتحت الأميرة عيناها على اتساعهما إعجابا بهدية السفير أنليل(المرأة تبقى تذوب أمام المصوغات حتى لو كانت أميرة تمتلك الكثير منها).
في ذلك الوقت قرر أنليل بأن يصارح الأميرة بتلميح خفيف عن حبه لأنه لا يضمن أن يراها مجددا لأنها أميرة وتحركاتها محسوبة وعيون الملك تراقب بلا كلل كل ما يدور هنا!!..سيدتي الأميرة نابو هل يمكن أن أتحدث بصراحة (التمعن عينا" نابو" وابتسمت ابتسامة خفيفة لأنها عرفت أن أنليل رجل جريء وسيصارحها بما يدور في خلده!)
_تكلم يا أنليل أنا أسمعك!
_أميرتي أرجو أن تسامحيني على جرأتي(كان يعرف أن الأميرة هي امرأة أولا و أخيرا ولا بد أن لها قلب ربما يبادله المشاعر!!) وقال: أميرتي ,حين خلق أبو الآلهة " أنكي" قلوبنا النابضة زرع فيها العشق وحين ملأتنا آلهتنا عشتار من فيض محبتها لم تمنعنا من حبها وهي الهة!! ولهذا فهاأنا أتجرأ وأعترف في حضرتك يا مولاتي أن قلبي منذ رآك في ذلك اليوم المبارك لم يهنأ بنوم وعيوني اللائى تكحلت بنور وجهك ..لم يبارحها الكرى ..و يدي لم تبخل أبدا بقرابين الإلهة والنذور من أجل أن تجمعني بك!! فماذا ستقولين يا مولاتي لرجل يحمل لك كل هذه المحبة؟
كانت الأميرة نابو بما يظهر من وجهها متأثرة جدا بكلام أنليل المليء بالصدق كما شعرت به , حتى أنها ذابت مع صوت أنليل وتكسرت مع تكسرات صوته الخفيض.....
_حسنا يا أنليل..سأقول لك ما قالته آلهتنا عشتار للبطل كلكامش (كان أنليل صامتا يراقب شفتيها وهي تنطق الكلمات بصدق من كل روحها وبلباقة تليق ببنت ملك):-
تعال يا كلكامش ...وكن حبيبا لي,
تعال امنحني من" ثمرتك",
(تعال) وكن زوجا لي وأكون زوجتك,
واني سأعد لك عربة من الازورد والذهب
عجلاتها من الذهب وقرناها من البرونز.
وستكون لك شياطين العاصفة لتشد عليها بدلا من البغال الضخمة.
وستدخل بيتنا على نفحات الأرز.
وعندما تدخل البيت,
ستقبل العتبة والدكة قدميك,
وسيمثل الملوك والحكام والأمراء بين يديك
ليقدموا لك الجزية:محاصيل الجبال والسهول.......
....
هنا سكتت الأميرة وقد أحمر وجهها لأنها شعرت بأن هذه الكلمات التي قالتها لانليل قد قالت الكثير مما تفكر به و ربما بجرأة لا تليق ببنت ملك!!
بعدها أطرقت الأميرة خجلا وعرف أنليل بحنكته وتجربته بأن عليه أن يتدخل و ويوازن الموقف..... فقال: مولاتي: أنت تقارنيني بكلكامش الذي وهبه شمش جمالا فتانا و أسبغت عليه" ادد" اله الرعد قوة هائلة !!! مولاتي ..كي أشكرك وكي أعبر عما يدور في قلبي...فأن فمي لا يكفي!! أشعر أني الرجل الأوفر حظا في بلاد بابل!!
تدخلت الخادمة العجوز في هذه اللحظة وهمست في إذن الأميرة أن الوقت قد حان لمغادرة المعبد!! ..فنظرت أليه الأميرة نظرة ولهة وقالت سأراك بعد ثلاثة أيام في نفس الزمان والمكان يا انليل!! رد عليها بعجالة وهي تبتعد ..سأكون هنا يا مولاتي!!!...مر الزمن وأنليل ما زال متسمرا في مكانه غير مصدقا ما مر به قبل ثواني!! أنها بنت الملك العظيم.... تحبه!! ولكن هذا لا يهمه لانه أحبها هي ولم يحب ما تملك!! ولكن إذا طلب يدها من الملك فهل سيوافق؟..ركب أنليل حصانه وهو في دنيا أخرى..لا يعلم ما يخبأه له القدر!!...لم يتذوق أنليل من الطعام الا القليل كان كل ما يشغل تفكيره هو ما قالته له الأميرة فقد شبهته بكلكامش وحين تشبه امرأة ما في بابل الرجل بكلكامش فهذا يعني أنه الرجل الكامل وهي تحبه!!...في اليوم التالي وبعد ليلة طويلة من السهر ذهب إلى القصر كي يعرف ما سيقوله الملك بعد أن قرأ ما كتبه له أنليل في تلك الرقم الطينية عن ما يظنه بنوايا ملك عيلام ..وهل أن له مبيته لمحاولة إيذاء المملكة؟ !! والكثير من الأشياء السرية الأخرى التي تركها أنليل لتقديرات الملك.... ذهب أنليل إلى قصر الملك صباحا ميمما وجهه باتجاه الجنائن المعلقة التي ما زال يتحدث عنها الناس في كل يوم منذ سنوات وهم يسألون أنفسهم نفس السؤال: كيف يصعد الماء إلى قممها العالية؟ وصل إلى الملك الذي كان ينتظره..لان أهم ما يمكن أن يفكر به الملك هو حماية حدود مملكته!! كان الملك واقفا واضعا يديه خلف ظهره لان ما أسر له به أنليل في رقمه الطينية خطير..لأنه بهذا يشير أن إلى أن عيلام تستعد لشن هجوم كاسح على بابل!! بابل العظيمة!!... سأله الملك : أنليل هل أنت متأكد مما تقول؟ نعم يا مولاي فقد زرعت العيون وسهرت وأنا أتقصى الأخبار وأكثر ما أكد حدسي هو كمية الهدايا التي أرسلها لك ملكهم ,ربما لان ملك عيلام كان يفكر بأنه سيستعيدها بكل الأحوال!! حسنا يا أنليل وماذا تقترح؟ تفاجأ أنليل من سؤال الملك!! لان هذا شرف كبير حين يسال الملك شخصا ما مشورته!! ولكن ربما هذا هو سبب عظمة نبو خذ نصر لأنه كان يستشير الآخرين !! حسننا يا مولاي( أجاب أنليل): خلال بقائي هناك وإطلاعي عن كثب حول ما يدور وكيف يفكر أولئك القوم فأني أقترح و بعد إذن جلالتكم أن نفاجئهم قبل أن يتموا استعداداتهم فهم ألان يستقدمون الجنود من كل مكان..ولكني لست قائدا عسكريا كما تعلم جلالتكم! أحسنت أنليل ..سنذهب إلى كبير الكهنة كي نأخذ رأي إلهاتنا المحبوبة عشتار في فكرة مهاجمة أولئك الرعاع ...أنا تحت أمرك مولاي .(أجاب أنليل وهو يحني رأسه).
..خلال ساعة كان موكب الملك ومن حوله الحاشية والجنود يشقون طريقهم إلى كبير الكهنة والناس على الجوانب تحيي ملكها القوي المحبوب الصارم وهو يتوجه إلى المعبد الكبير ... أصطف الكهنة على باب المعبد وعلى رأسهم يقف كبير الكهنة" اوتوحيكال" ..بضفائره ولحيته الطويلة وملابسة المزينة بالنقوش.... دخل الملك ومعه أنليل الذي كان سعيدا بالشرف الذي منحه له الملك والذي سيفيده كثيرا لو انه طلب يد الأميرة منه!! أخبر الملك رئيس الكهنة بما يريد وقد م نذوره وعطاياه للآلهة عشتار.. وأخبره الكاهن أنه اليوم سيرى الإلهة عشتار في المنام كي تعطي أو أمرها إلى الملك فيما ينوي!!بعدها عاد الملك إلى القصر سريعا وعاد أنليل بعد يوم طويل والأميرة وصوتها السماوي وعيونها لواسعة ولا يفارق خيالة!! في أثناء كل ذلك كادت الأميرة " نابو" تطير من السعادة حين عرفت أن والدها قد قرب أليه أنليل في الفترة القلية الماضية حتى أنه أخذه معه إلى المعبد!!
منذ الغبش ..أيقض الخادم سيده أنليل قائلا: مولاي أن أحد رجال الملك يقول أن الملك يريدك ألان في قصره ..سأل أنليل الخادم بفزع : وأين الجندي ألان؟ لقد ذهب مولاي ..حسنا هيا لي الحمام !! أنه حاضر يا مولاي
دخل أنليل إلى الملك وكان عنده جميع القادة العسكريين والكاهن الأكبر الذي أخبر الملك أن الالهة عشتار قد جائته في الرؤيا وباركت حملة الملك وتعهد ت بحمايته!!
أنليل ناداه الملك... نعم مولاي!!..ستشارك يا أنليل معنا في مسيرتنا المظفرة.
تفاجأ أنليل !!! ولكن يا مولاي أنا رجل سياسة!! نعم يا أنليل ولهذا ستكون معنا فقد يحتاج القادة العسكريين مشورتك فقد قضيت هناك وقتا ليس بقصير وتعرف الكثير عن عيلام, وربما تفيد أخوتك!!
تحت أمرك يا مولاي انحنى أنليل وهو يجيب على أمر الملك.أردف الملك قائلا :سننطلق بعد أيام يا أنليل...
عاد أنليل إلى منزله وهو يهيأ نفسه للقاء حبيبة القلب التي يشعر وكأنه يعرفها منذ زمن طويل!!...ذهب أنليل في موعده تماما ووجد الأميرة هذه المرة في نفس المكان ولكنها قادته هذه المرة إلى ممر بعيد عن عيون المصلين والكهنة الذين يعدون العدة لاحتفالات رأس السنة البابلية العظيمة التي سيتم الاحتفال بها بعد شهر بالتحديد....أنليل أيها الرجل الذي لا أهوى غيره يا بركة شمش لن أستطيع أن أتحدث اليك طويل,ا خذ هذه التعويذة التي ستحميك وتعيدك سالما فأنا أعرف أنك سترافق والدي في معركته القادمة ..فليحمك أنكي من سهام الأعداء أنا أفكر بك كل يوم يا انليل...قاطعها أنليل ..مولاتي أنا أفكر فيك ليل نهار لا أنام آلا بصعوبة طيفك يزورني كل يوم لن أستطيع أن أعيش دونك ..أنا أنليللا الرجل الذي عاش سنين مديدة أشعر أني طفل حين أراك!! لكِ وعدي أني سأطلب يدك من والدك العظيم مها كانت النتائج صلي من أجلنا يا حبيبتي نابو!! سأ صلي من أجلك ومن أجل بابل ومن أجلي يا أنليل..وأهدته خاتما ثمينا صنعته من أجله منقوش عليه صورة رمزية لكلكامش!! ...تركها أنليل بعد أن قبل يدها وجبينها و أنسحب بهدوء والحب يملئه ويفيض من قلبه و وجدانه..مرت الأيام سريعا وكان أنليل يلتقي نابو كل ثلاثة أيام حتى صار يحسب الساعات لرؤيتها....
كانت الجيوش تتجمع بسرعة من كل أجزاء بابل وتزحف وعلى رأسها نبو خذ نصر بعرباته الملكية ومن خلف الجيش البابلي القوي... كان أنليل قريبا دوما من الملك يشير عليه بالأفكار السديدة .. بعد سبعة أيام من المشي وصلوا حدود عيلام وفي الليلة السابعة صعد أنليل والملك ليلا على تله تطل على جيش بابل المتجحفل وكانت النيران التي يشعلها الجنود تمتد وكأنها إلى المالا نهاية!!..عشرات ألوف الجنود يستعدون لسحق عيلام وكأنها حشرة..أما في الطرف الثاني فقد عرف ملك عيلام أنها النهاية بالنسبة أليه لان الدول التي تحالف معها من أجل إسقاط بابل لن تستطيع إنقاذه فقد فات الأوان ولأنه يعرف ماذا سيحصل إن قاوم هولاء الجنود !!.
صباحا ..جاء رسول من ملك عيلام يعلن فيه استسلامه!! دخلت الجيوش البابلية إلى عيلام وعاد أنليل مع الملك والحرس الملك حيث هيأ أهل بابل وكهنتها استقبال حاشدا ووزعوا الخمر وذبحوا الأضاحي احتفالا بالنصر.. وقبل أن يدخل ..الملك من بوابة عشتار نادى على أنليل طالبا منه أن يصعد معه في العربة الملكية كي يدخلا سوية!! هذا شرف كبير لا يناله إلا من كان مهما جدا ومحبوبا لدى الملك!! صعد أنليل مع الملك في عربته الملكية الحربية ودخلوا عبر بوابة عشتار بوابة النصر حيث آلاف من سكان بابل يحتشدون لتحية الملك والجيش.. ستكون الاحتفالات هذا اليوم حتى الصباح!!و في قمة الفرح وحين كان الملك يلوح للشعب..فكر أنليل أنه لا أحسن من هذا الوقت لمفاتحة الملك بموضوعه!! فقال: مولاي الملك أريد أن أبوح اليك بما يجيش في صدري!! ..رد الملك وهو ما زال يلوح من عربته وأصوات الجماهير تكاد تصم الأذن: لا تكمل يا أنليل. فأنا أعرف بماذا نفكر منذ اليوم الأول أي منذ أن التقيت بالأميرة في المعبد!!..وغدا سأجعل منك وزيري ومستشاري جزاء الأخلاص الذي تحمله للملك ولبابل ..وفي يوم" آكيتو"(يوم رأس السنة البابلية) سأعلن زواجكما.. عقد الفرح لسان أنليل .. وحتى أنه لم يشكر الملك!! وصل مع الملك إلى الجنائن المعلقة كي يحتفلوا مرتين مرة بالنصر ومرة ثانية بزواج أنليل القريب من أبنته الحبيبة نابو التي كانت تنظره بين ورود برج بابل!